أبحاث إسلامية
«السببية»
ورد في قاموس الصحاح أن لفظة السبب تعني كل شيءٍ يتوصل به إلى غيره.وقد استعملها العرب الاقحاح بهذا المعنى؛ قال زهير:
ومن هابَ أسباب المنايا يَنَلْنَه
. ولو نالَ أسبابَ السماءِ بسلَّمِ
.
كما وقد وردت في القرآن الكريم بهذا المعنى أيضاَ؛ قال تعالى: أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَابِ وفسرها الزمخشري بقوله: فليصعدوا في المعارج والطرق التي يُتوصل بها إلى العرش. وقال تعالى في سورة المؤمن: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنْ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ وأيضاً فسرها الزمخشري بقوله: أسبابُ السماوات أي طُرُقُها وأبوابُها وما يؤدي إليها. وكل ما أداك إلى شيء فهو سَببُهُ كالزّنا ونحوه. وكذلك وردت في اصطلاح الأصوليين بهذا المعنى فقد عرَّفوا السبب بأنه وصفٌ ظاهرٌ منضبطٌ دلَّ الدليلُ السمعيُّ على كونه معرِّفاً لوجود الحكم لا لتشريع الحكم كما وقالوا بأن السببَ ما يلزمُ من وجوده وجودٌ ومن عدمه العدمُ مثل كون العقودِ الشرعية سبباً في إباحة الانتفاع أو انتقال الأملاك، أو مثل حصول النصاب سببٌ في وجود الزكاة. وهكذا فإن معنى السبب هو كل شيءٍ يُتوصل به إلى غيره، وبهذا المعنى استعملها العرب والقرآن الكريم والعلماءُ والفقهاءُ؛ وعليه فإن الحبلَ والطريق وانتهاء الأجل وإعداد العدَّة مثلاً كلُّها أسبابٌ لأنه يمكنُ التوصل بها إلى الغير؛ فحين نستعملُ لفظ السبب في قولنا مثلاً أسباب الإرث أو أسباب التملك أو ربط الأسباب بمسبباتها أو أسبابُ النزول فإنها تعني كلَّ ما يتوصل به إلى الغير ولا نعني غيرَ ذلك مطلقاً، فواسطةُ التوصل إلى الغير هي السبب والغيرُ هو المسبَّبْ.
أما السببيةُ فهي ربط الأسباب بمسبباتها وهي القاعدةُ العمليةُ التي يتم بموجبها إنجاز الأعمال وتحقيق الأهداف، مهما كانت هذه الأعمال بسيطة أو معقدة ومهما كانت هذه الأهداف قريبة أو بعيدة. فالمزارع حين يبذر الحب في موسم الزراعة ويضع السماد في التربة ويعزقها؛ وقائد الجيش حين يقف على أخبار العدو عن طريق دوائر الاستخبارات وحين يزيد من عدد الجيش وعُدَّته؛ والمريض حين يأخذ العلاج المناسب ويتقيد بإرشادات الطبيب؛ والتاجر حين يفتح متجره ويعلن عن بضاعته بالصحف وغيرها؛ والمسافر حين يركب وسيلة النقل المناسبة؛ وطالب العلم حين يدرس ويفهم ويعي مادة البحث المقررة؛ والشاب الحزبي حين يتصل بأهل النصرة والمثقفين والسياسيين ويعمل على كسبهم، وحين يوزع المنشورات أو ينزل إلى منطقته أو حين يتابع الأحداث السياسية في العالم ويفهمها ويحللها لرعاية شؤون أمته أو لمحاولة رعايتها؛ كل ذلك هو من قبيل الأخذ الأسباب أي ربط الأسباب بمسبباتها. أما حين نعملُ إلى عودة الإسلام عن طريق خطب الجمعة أو نعمل لإزالة حكام الجور بالجمعيات الخيرية أو نعمل لإيجاد النهضة بمحاكاة وتقليد الغرب واعتناق أفكاره ومبدئه أو حين نتمنى عودة الإسلام بدون قيام الكتلة الحزبية؛ فإن كل ذلك من الاتكالية أو التواكلية وهي على عكس السببية أي عدم ربط الأسباب بمسبباتها.
فالسببية هي ربط الأسباب المادية بمسبباتها المادية من أجل تحقيق قصد معين أو هدف معين بمعرفة جميع الأسباب المفضية إلى تحقيقه ثم ربطها فيه جميعها ربطاً صحيحاً، وعندها فقط نقول أننا أخذنا بالأسباب أي بقاعدة السببية، قاعدة إنجاز الأعمال وتحقيق الأهداف، فيتحقق العمل أو الهدف جزماً ضمن مقاييسنا المادية، أي إذا لم يتدخل الغيب عن طريق دائرة القضاء أما التواكلية فيه عدم ربط الأسباب بمسبباتها أو الاكتفاء بربط جزء منها والاتكال على الغيب المجهول من أجل ربط باقي الأسباب أو من أجل صحة الربط؛ وتظهر التواكلية في أمرين اثنين الأول في عدم تقصي جميع الأسباب المفضية إلى الهدف والثاني في التهاون بصحة الربط من عدمه والاتكال على الغيب.
هذا هو مفهوم السببية وهو من المفاهيم الأساسية عند المسلمين والذي يجب أن يظل واضحاً لديهم لأن رسالتهم في الحياة رسالة عمل ويعيشون في الحياة من أجل غاية محددة. والسببية من المفاهيم الإسلامية التي تتصل بسلوك المسلم اليومي، حيث أنه لا يتأتى له تحقيق عمل من أعماله اليومية دون مراعاة لهذه القاعدة، أي قاعدة السببية؛ وحين أدرك المسلمون الأوائل في عصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ومن بعدهم من أجيال النهضة مفهوم السببية، حين أدركوه إدراكاً تماماً وفهموه فهماً صحيحاً مبلوراً، ومارسوه مفهوماً في تصرفاتهم وسلوكهم حققوا أعمالاً أشبه بالمعجزات إذا قيست بوقتنا الحاضر، إذ حملوا الإسلام ونشروا دعوته وفتحوا الفتوحات في أرجاء الأرض في أسرع وقت مرَّ بتاريخ أمة من الأمم مع أن وسائل الاتصال والتنقل كانت الناقة والبعير على أحسن حال. وحين طرأت الغشاوات على المفاهيم الإسلامية وفقدت لمعانها في أذهان المسلمين المعاصرين ومن قبلهم إلى عصور الظلام والانحطاط فقد مفهوم السببية وضوحه لديهم واختلط بمفهوم التوكل وبمفهوم القدر والعلم الأزلي واستسلموا للقدرية الغيبية وقعدوا عن تحقيق رسالتهم في الحياة، بل قعدوا عن إزالة سيطرة الكفر وهم يلمسون وجوده وخطره على دمائهم وأموالهم ومقدساتهم وأعراضهم يومياً وفي كل لحظة من لحظات حياتهم. كما تخلفت الأمة الإسلامية عسكرياً وعملياً وفكرياً واقتصادياً وسياسياً وأصبحت نهباً بين دول الكفر تتقاسم ثرواتها وخيراتها وتسخر دماء المسلمين للمحافظة على هذه الثروات والخيرات؛ إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن من ترك إسلامها وتساهلها في أبعاده عن الحياة من قبل حكامها وتقليدها للغرب بل ولعشقها لأفكاره ومحاكاته في مظاهر الحياة وقشورها فظلت الأمة ولا تزال تنحدر من السيئ إلى الأسوأ.
إننا نلاحظ في هذه الحياة أن أصحاب القيم الرفيعة من البشر والذين يحيون حياة مبدئية من أجل غاية محددة كحملة الدعوة مثلاً لا يرضون بما يرضي به عادة عامة الناس، فيرفضون العيش على هامش الحياة منفعلين بالواقع بل يسعون باستمرار وبدأت متواصل لأن يكونوا فاعلين فيه عاملين إلى الوصول لأهدافهم وتحقيق غاياتهم من وراء كل عمل يقومون به، فحين يتلبسون بالعمل لا يغفلون عن الهدف والغاية، بل تبقى الغاية ويظل الهدف أمام أعينهم حين قيامهم بالعمل، ولا يقنعون ولا يهدأ لهم بال ولا ترتاح جنوبهم دون الوصول إلى الهدف والغاية المنشودة؛ ولذلك لا يقومون بالعمل ارتجالاً عفوياً بل بعد التخطيط والدراسة أي بعد معرفة الأسباب ومسبباتها وربطها ربطاً صحيحاً للحصول على النتائج المرجوة في كل عمل يقومون به مهما صغر أو كبر.
إن الإنسان يمتاز عن باقي المخلوقات التي يقع عليها حِسُّنا أن أعماله ينظمها العقل وتحصل بعد تفكير مسبق مصدره العقل؛ صحيح أنه يبعث أحياناً أي يتصرف بعيداً عن استعمال العقل وبدون تفكير إلا أن هذا نادرٌ في سلوك الإنسان العاقل البالغ وليس لهذا التصرف تأثير في حياته بصورة عامة. فالإنسان يشبع حاجاته العضوية وغرائزه مدفوعاً بهذه الحاجات ولكن بعد استعماله للعقل وبعد تفكير. أما الحيوان فإنه يشبع حاجاته العضوية وغرائزه بدوافع هذه الحاجات والغرائز وبدون أي تفكير، ولذلك نعتبر منحطاً بعد ارتباط العقل بالدوافع، أما الحيوان فيسير بالدوافع فقط بدون العقل وبدون تفكير. والإنسان يتفاوت في سلم الرقي حسب تفاوت نوع الفكر الذي ينظم هذا السلوك في إشباعه لحاجاته؛ وبالطبع فإن قصد الإنسان حين يقوم بالعلم هو تحقيق هدف معين أو غرض معين من وراء قيامة بهذا العمل، أي أن الإنسان يسعى إلى تحقيق ثمرة العمل. فنقول أن العمل منتج أو مثمر. فالقيام بالعمل دون السعي للحصول على ثمرته هو العبث وهذا خلاف الأصل في حياة الإنسان، حتى أنه في بعض الأحيان كان تحقق الثمرة دليلاً على صحة العمل المؤدي إليها. فالإنسان بدون أعمال لا يختلف عن الجماد؛ والإنسان بدون السعي لتحقيق ثمرة العمل لا يختلف عن الحيوان. والإنسان يختلف عن الإنسان باختلاف الأعمال أو المنجزات التي يسعى لتحقيقها؛ كما وتتفاوت ضخامة أعمال الإنسان المنجزة من إنسان لآخر. والإنسان في فطرته يختلف عن الإنسان الآخر فهناك البليد وهناك متوسط الذكاء أو حاد الذكاء أو العبقري، فيختلف الناس في قدراتهم على الربط وفي طموحاتهم وحوافزهم؛ كما ويختلفون في قوة حاجاتهم وبالتالي في شدة دوافعهم وحوافزهم. وكذلك فإننا نجد أن الأعمال يختلف بعضها عن بعض حسب طبيعة الثمرة المطلوبة من وراء القيام بها؛ فمنها في غاية البساطة كحصول الإنسان على وجبة يومية ومنها في غاية التعقيد كالنزول على سطح القمر ومنها ما هو أصعب من ذلك كتغيير المجتمعات من حال إلى حال. وهكذا فالإنسان يختلف عن الإنسان الآخر والعمل كذلك يختلف عن العمل الآخر. وحتى تتحقق ثمرة العمل لا بد من وجود الإنسان ولا بد من «إنجاز» تحقيق العمل المادي المؤدي إلى حصول هذه الثمرة؛ فبدون الإنسان لا تتحقق الأعمال وبدون العمل لا تحصل الثمرة.
أما الجانب الإنساني في تحصيل ثمرة العمل فهو محصور بالعقل والإرادة. وفعل العقل هو التقرير المبني على الكفر وفق قواعد معينة؛ والإرادة هي التصميم على إنجاز العمل مهما كان شاقاً ومضنياً والثبات على ذلك والاستمرار فيه.
والأمور العقلية التي يجب توفرها لتحقيق ثمرة العمل هي:-
أولاً: تحديد الهدف أو ثمرة العمل المرجوة بوضوح ودقة: إذ أن الأهداف تختلف في طبيعتها بساط وتعقيداً؛ فبناء بيت أبسط بكثير من بناء مجتمع مثلاً، مع هذه البساطة وهذا التعقيد فلا بد من تحديدها قبل شروع الإنسان للقيام بأي عمل من الأعمال؛ لأن عدم تحديد الهدف بوضوح تام وأي غموض فيه مهما قل يولد الحيرة والتردد في النفس كما ويسبب فتور الهمة وضعف الحاجز واليأس والقنوط، ثم يؤدي بالتالي إلى الفشل التام وعدم تحقيق هذا الهدف. أما تحديد الهدف مبلوراً وبوضوح تام لا لبس فيه يولد في النفس العزم والتصميم والثبات كما ويشحذ الهمم ويقوي الحافز ويبعث على الثقة والتفاؤل والأمل ثم يؤدي بالتالي إلى النجاح التام وتحقيق الهدف. وهكذا فالفارق واضح بين من يسير بغير هدف محدد غامض، وبين من يسير بهدف محدد واضح مبلور، إذ الفرق بينهما كالفرق بين من يسير في الظلام ومن يسير في النور، أو كمن يسير أعمى ومن يسير بصيراً أو من يسير في الصحراء على غير هدى ومن يسير على خط القطار. ولذلك حين قام الحزب حدد الهدف مبلوراً منذ اللحظة الأولى لقيامه دون أي لبس أو غموض فقال أن هدفه هو «استئناف الحياة الإسلامية وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم».
ثانياً: معرفة جميع الأسباب المؤدية إلى تحقيق الهدف سواءً أكانت بشرية أو مالية أو غيرها:
ذكرنا أن السبب هو كل ما يتوصل به إلى غيره، ونظراً لاختلاف طبيعة الأهداف فإن الأسباب المؤدية إلى تحقيقها تختلف بساطة وتعقيداً وتختلف في عددها وفي المشقة والمجهودات التي تلزم لتوفير هذه الأسباب. فمثلاً ما يلزم لكتابة نشرة يختلف عن ما يلزم لكتابة دستور الدولة الإسلامية، وما يحتاجه شفاء المريض بالرمد يختلف عن ما يحتاجه شفاء المريض بالسرطان. وما يلزم للنزول على سطح بيت يختلف عم ما يلزم للنزول على سطح القمر، وما يلزم لبناء الخيمة عن ما يحتاجه بناء ناطحة السحاب. وما يحتاجه بناء الشخصية الإسلامية يختلف عن ما يحتاجه بناء المجتمع الإسلامي أو بناء الدولة الإسلامية؛ وهكذا فإن نظرةً إلى الأهداف التي نسعى لتحقيقها في حياتها اليومية تُري أن بعض هذه الأهداف بسيط يمكن تحقيقه بأدنى مشقة وبأقل مجهود كما والأسباب التي تلزم لتحقيقها بسيطة ويسهل معرفتها وحصرها؛ أما البعض الآخر فهو في غاية الصعوبة والتعقيد ويحتاج تحقيقها إلى مجهودات ضخمة غير عادية إذ قد يقضي الإنسان عمره باذلاً جميع إمكاناته العقلية والجسمية والمادية فيوافيه الأجل قبل إنجازها أو قد يحتاج إلى مجهودات الأجيال القادمة برمتها جيلاً بعد جيل وتحتاج لعمل دؤوب شاق وإرادة حديدية ويصعب معرفة وحصر جميع أسبابها لدرجة تبدو للنظار من بعيد أنها بعيد المال أو أحياناً مستحيلة التحقيق. ولذلك فإن أول ما يسعى إليه أصحاب الأهداف الكبيرة في الحياة من القادة والمفكرين بعد تحديد أهدافهم وبلورتها هو معرفة الأسباب المؤدية حتماً إلى هذه الأهداف؛ وتظهر عبقرية هؤلاء في الإحاطة التامة والمعرفة الدقيقة بجميع الأسباب المؤدية إلى هذه الأهداف مهما كانت صعبة أو معقدة، إذ أن غفلة بسيطة عن استكمال جميع أسباب الهدف تؤدي إلى الإخفاق التام وإضاعة جميع الجهود المبذولة، فلا بد حتى يتحقق الهدف كاملاً من معرفة أسبابه كلها.
ثالثاً: ربط جميع الأسباب بالمسبَّبِ ربطاً صحيحاً:
بعد بلورة الأهداف وتحديدها ومعرفة جميع أسبابها يعمل المفكر أو القائد أو الأمير على ربط هذه الأسباب بأهدافها أو هذه الأسباب بمسبباتها ربطاً صحيحاً، إذ لا يكفي مجردُ الربط لضمان النجاح بل لا بد وأن يكون الربط صحيحاً حتى يتم تحقيق الهدف كاملاً بأقصر وقت وبدون ضياع الجهود. فمثلاً طالب العلم لا بد له حتى ينال علامة كاملة في الامتحان من دراسة جميع المقرر وأن تكون دراسته عن فهم وإدراك تامَّيْن، فإذا لم يدرس جميع المقرر لا يكون قد أخذ بالسبب كاملاً فقد ينجح جزئياً لأنه أخذ بجزء من السبب وإذا درس المقرر دون فهم وإدراك تامين لا يكون قد ربط السبب أي دراسة المقرر بالمسبب أي النجاح ربطاً صحيحاً أي لا يكون قد ربط السبب بالمسبب الربط الصحيح، وعندها لا يتحقق الهدف لأن الربط لم يكن ربطاً صحيحاً. وعليه فمن العبث أن ينال في الامتحان العلامة كاملة دون قيامه بربط النجاح بأسبابه ربطاً صحيحاً وهو دراسة جميع المادة المقررة وفهمها فهماً تاماً. ومثلا لا يكفي أن نعرف بأن سبب النصر هو إعدادُ القوة فنقوم بتكديس الأسلحة فقط، بل لا بد من معرفة فنون القتال الحديث بأعلى مستوى وكيفية رسم الخطط العسكرية والهجومية منها والدفاعية ولا بد من الوقوف على أخبار العدو ومعرفة نقاط الضعف عنده ولا بد من سد جميع الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها، ولا بد من رفع معنويات الجيش القتالية وتحريضه على الاستشهاد في سبيل الله، كل ذلك هو من قبيل ربط الإعداد بالنصر ربطاً صحيحاً. مثلاً سبب استلام الحكم هو الحصول على السلطة وصحة الربط بين السلطة والحصول على الحكم تقتضي معرفة جميع مكامن هذه السلطة معرفة تفصيلية محددة ومعرفة مدى تأثير هذه المكامن واحدة واحدة، فإذا كانت السلطة كامنة في قبيلة مثلاً فلا بد من كسب ولائها للوصول إلى الحكم، وكسب ولائها للوصول إلى الحكم، وكسب ولائها يقتضي كسب رئيسها أو المتنفذين فيها، وإذا كانت السلطة كامنة في الجيش فلا بد من كسب ولاء جميع قطاعاته التي تكمن بها السلطة، وكسب هذه القطاعات عن طريق كسب قادتها؛ وأية غفلة عن كسب ولاء أي من هذه القطاعات أو ظهور أي خلل في ولاء قطعة لا يعتبر الربط صحيحاً، وهذا لا يؤدي فقط إلى الفشل التام بل قد يؤدي إلى كارثة مدمرة. وهكذا فصحة الربط بين السبب والمسبَّب أمر لا بد منه من أجل ضمان تحقيق الهدف.
رابعاً: السير وفق قوانين الطبيعة وسنن الحياة حين السعي لتحقيق الهدف:-
يجب أن لا يغيب عن ذهن أي إنسان هو يسعى لتحقيق أهدافه وذلك بربطه الأسباب بمسبباتها أن هذا السعي يجب أن يظل وفق قوانين الطبيعة وسنن الحياة أي ضمن المقاييس المادية التي فرضها خالق الكون والإنسان والحياة؛ فإذا خرج عن هذه المقاييس المادية لا يمكنه بل يستحيل عليه تحقيق أهدافه مهما كان الربط ومهما استخدم لذلك من قوى الإنسان العاقلة. فمثلاً سبب الموت انتهاء الأجل، وانتهاء الأجل من الله الذي وراء هذا الوجود، فلا يمكن إحياء الميت مهما كانت الجهود المبذولة لذلك، والحق أن العمل لتحقيق مثل هذا الهدف هو جهد ضائع. وكذلك من يطلب النصر مثلاً في المعركة يجب أن يلجأ إلى إعداد القوة لا إلى قراءة البخاري، لأن المعركة معركة بين القوى المادية لا بين القوى الفكرية؛ ومن أراد طلب العلم لا يطلبهُ عن الطريق السعي إلى طلب المال، ومن أراد أن يكون فقيهاً لا يطلب السعي إلى طلب المال، ومن أن يكون فقيهاً لا يطلب ذلك عن طريق معرفة العلوم الذرية، والذي يريد الخلاص من قُرحة في معدته لا يلجأ إلى قراءة أم الكتاب بل لإجراء عملية جراحية على يد أحد المختصين لاستئصالها.