الدوافع النفسية وأثرها في العملية التربوية
تشكل الدوافع النفسية
دوراً مهماً في نمو وتكامل العملية التربوية وتترك أثراً سريعاً في واقعها، فالمعلم - وقبل كل شيء- عليه ألا يتصور أنَّ الطالب خزانٌ لجمع المعلومات المختلفة والمتناثرة وأنه مكان ملائم وميسورٌ لأن يسرد عليه ما يجول في خاطره من أمور حتى ولو كانت غير متعلقة بالمواد الدراسية، فالمطلوب أولاً من المعلم قبل قيامه بعملية التعليم أن يقرأ ملياً نفسية الطالب لكي يحدد أسس التعامل معها من خلال ابتكار الدوافع التي تسهل له أمر التعامل ليتمكن من خلال ذلك الإثارة والتحفيز لدفعه إلى فهم المادة وأهمية المعلومات التي تحتويها.
من هنا أولت نظريات التعليم الحديثة أهمية كبيرة إلى عملية الإثارة والتحفيز، حيث دعا كثيرٌ من المربين والمدرسين من المؤمنين بالنظريات الحديثة في التعليم إلى ترك الأساليب المعقدة والتقليدية والاستعانة بالأساليب الحديثة القائمة على دراسة عميقة لعلم النفس الفردي لكل طفل.. وحيث عرفنا من تجربتنا في المجال التربوي أنه لا يكفي في الموقف التعليمي أن نقول للطالب: (انتبه) أو غيرها من الكلمات ونحسب بعد ذلك أننا أيقظنا فيه - بكلماتنا هذه- الاهتمام المطلوب وأننا نشده إلى الدرس إضافة إلى تصورنا أننا بهذا التنبيه القريب من الزجر تمكنا من أن نفجر في نفسه القدرات التعليمية الكامنة.
أثبتت التجارب أن كل ذلك غير صحيح إذا لم نقم أصلاً بإثارة دوافعه بشكل ذاتي من خلال رغبته الملحة في التعلم وفي فهم ما مطروح أمامه من تساؤلات..
هذه الرؤية الحديثة في التعليم تساهم أصلاً في بناء شخصية الطالب في مختلف النواحي العقلية والوجدانية والأخلاقية، حيث إن التعليم والنمو أمران متكاملان ومترابطان في أعماق شخصية الطالب ولا يمكن بأي حال من الأحوال فصلهما.. فالطالب انسان قابل للنمو والتطور، مما يتطلب من العملية التربوية أن تكون هي الأخرى متطورة، حيث إن الطالب في باكورة حياته التعليمية بحاجة ماسة إلى عناية فائقة تتمثل في الرعاية المستمرة لتفكيره وتعليمه من خلال مواجهته المستمرة بمسائل ذهنية تتناسب ومستوى نضجه العقلي والنفسي وبهذا نتمكن من الوصول به إلى مرحلة من الاستقرار النفسي والانفعالي التي هي سمة من سمات شخصيته التي تؤهله للاستجابة لأي موقف تعليمي طارئ كأن يكون سؤالاً أو مسألة تفكيرية أو تذكرية، وبدون كل هذا يكون الطالب قلقاً متوتراً واحياناً مظهراً للعصبية، ولعله في النهاية يكوِّن اتجاهات سلبية تجاه مجمل العملية التعليمية وهذا ما لا نريده أصلاً لطلابنا.
إن تهيئة البيئة النفسية تُعد من مستلزمات التعليم الضرورية، فالمعلم ذو المزاج الحاد والذي يثور لأتفه الأسباب يسيء إلى تلاميذه ويعيق نموهم السوي وكذا الحال بالنسبة للكبت في التعليم فإنه أيضاً يؤدي إلى نمو عقد نفسية ومثله أيضاً العقاب البدني الحاد والقسوة الشديدة فإنهما يؤديان إلى الخنوع والانكسار النفسي أو إلى الثورة أو التمرد على الحالة التعليمية وإن أنجح أسلوب تعليمي هو ذلك الأسلوب الذي يحقق التوافق النفسي بين الدوافع وبين مطالب البيئة المختلفة.
إن المعلم الناجح أمامه أكثر من سبيل للاقتراب من الطالب، ولكل درس اسلوبه وطريقه الخاص الى الطالب، فمعلم التربية الإسلامية يستثمر الاحتفال الديني لتقديم الطلبة المتميزين الذين أبدعوا في قراءة القرآن أو في حفظ آياته…حيث يفسح المجال لهم لقراءة القرآن أو بعض الأحاديث النبوية الشريفة، وكذا الحال بالنسبة لمعلم اللغة العربية حيث بإمكانه أن يحث طلابه على حفظ الشعر ويشجعهم على الابداع الادبي، ويمكن للمعلم أيضاً الاستعانة بالطلبة الأذكياء ليشرحوا الدرس لزملائهم بعده مما يخلق في أنفسهم الاعتداد والشعور بالثقة العالية بل وحصولهم على ثمرة جدّهم ومثابرتهم في دروسهم، ويدفع في الوقت نفسه بقية الطلاب لأن يثابروا ويجدوا لكي يكونوا مثلهم متميزين.. هذا إضافة إلى قيام إدارة المدرسة بتقديم الهدايا الرمزية كالكتب أو الأقلام أو الكراسات إلى هؤلاء الطلاب الذين كانوا أكثر من غيرهم استجابة للعملية التربوية.
إن كثيراً من المعلمين يقعون في أخطاء تربوية لا تغتفر حينما يرددون عبارات وألفاظاً لا تليق بهم كمربين حينما يقولون للطلاب الضعفاء كلمات مثل: (غبي – أحمق – كسول – ساذج – رديء - أنت لاتصلح للمدرسة وانما للشارع!).. وكان بإمكانهم أن يحفزوا طلابهم على الدراسة والتتبع باستعمال كلمات وعبارات تعزز من معنويات الطالب وتثير في الوقت نفسه طموحه مثل: (كنت أتمنى أن يكون جوابك صحيحاً - أنت ذكي ولكن…- عهدي بكَ أنك لا تقل عن غيرك ذكاءً - أنت طالب ذكي ومثابر ولكن هذه المرة نسيت أن تحفظ واجبك- لن أخبر والدك بتقصيرك هذا وليكن هذه آخر مرة - لا تخيب ظنَّ معلمك بك، أتحبُّ أن يكون فلان أذكى منك؟ - أنا أحب جميع الطلاب ولكن حبي للطالب الذكي أكثر).
هذه العبارات والجمل يقولها المعلم من الاعماق وبروح
شفافة بعيداً عن التصنع فإن نجح في إيصالها إلى الطالب فإن مردودها لديه يكون كبيراً وسيكون الطالب مجداً ومثابراً ومؤدياً لواجبه لأنه لا يريد أن يقع مرة أخرى في مطبّ التقصير والإهمال وكي لا يسمع عتب معلمه مرة أخرى.. ولكي يكون المعلم عنصرا فاعلا في تحفيز الطلبة، عليه أيضاً إتقان فن التعامل والحديث من حيث صياغة اللفظ والعبارة وطريقة قولهما وحتى درجة حدّة الصوت وطبقته والتناسق التام بين ألفاظه وتقاطيع وجهه وحركة يديه، لأن الطالب يجمع بين كل هذه المواقف ويكوِّن منها معلومة تطارده إذا أهمل، وتحاسبه إذا قصر وتزرع في نفسه الخجل أمام نفسه وأمام معلمه وزملائه إذا لم يؤدِّ ما عليه من واجبات بالشكل المطلوب، فالمعلم جملةً وتفصيلاً يشكل في ذهنية الطالب حالة متكاملة قولاً وفعلاً.
إن تحفيز الطلبة وإثارتهم لرفع مستواهم التعليمي بحاجة تواصل وتواصي بين البيت والمدرسة، وتشكل الملاحظات التي يدونها المعلم في دفتر التلميذ أهم هذه الحلقات، فالمعلم الفاهم لدوره التربوي والتعليمي عليه أن يكون حذراً في تدوين هذه الملاحظات كي لا يوقع تلميذه في مشكلة مع ذويه كأن يكون قد دون في الدفتر: (اكتب الواجب ثلاث مرات يا كسول) أو (إنك مهمل جداً ولا حذاري من التقصر بعد الآن) أو (خطك رديء…حسن خطك) أو غيرها من العبارات المثيرة للشكوك.
إن العبارات التشجيعية تلعب دورها في تعزيز ثقة الطالب بنفسه وتساهم في إنجاح ما يصبو إليه المعلم، وعليه أن يتذكر الحديث الشريف (الكلمة الطيبة صدقة) والحكمة القائلة: (لا تلعن الظلام بل أشعل شمعة)، وكذا الحكمة التي تنص على ان (لا تقل نصف الكأس فارغة بل قل الكأس نصفها ممتلئة) وامثال واقوال كثيرة في هذا المجال تجعلنا قريبين من نفسية الطالب وقريبين من محبته حتى يكون أكثر انطلاقا وثقة بالتعليم، وبذا نكون قد حققنا ما نصبو إليه