قصة ذات فوائد كبيرة
الحطاب و المنشار
يحكى أن حطابا مفتول العضلات استيقظ فى البكور وذهب ليقطع الأشجار وبدأ الحطاب عمله بجد واجتهاد ومرت الساعات وبينما هو كذلك مرّ عليه رجل ودهش الرجل من فعل الحطاب …ترى ماذا كان يصنع الحطاب ؟
لقد مضى الحطاب فى قطع الشجرة وظلّ يحاول ويحاول لكن منشاره كان صدئا فاقترب منه الرجل وقال له لم لا تأخذ قليلا من الوقت لتشحذ منشارك فيصبح أسهل فى العمل وأسرع فى قطع الأشجار فتحصل على خشب كثير بمجهود قليل … وعجبا كانت إجابة الحطاب لقد قال للرجل
.. ليس لدى وقت لأفعل هذا عليّ أن أمضى فى قطع الشجره وأريد أن أنتهى من ذلك “
نعم عجبا كانت إجابة هذا الحطاب فلو أخذ ساعة من وقته أو أقل فى شحذ منشاره وسن أسنانه لما تعب هذا التعب ولما بذل هذا الجهد وياليته كان جهدا مثمرا بل على العكس جهد كبيرونتائج متواضعة قليلة .
لعلك تعجب معى أيها القارىء لكن لو نظرت حولك لوجدت جموعا كثيرة من الناس تفعل فعل الحطاب وإذا سألتهم وجدتهم مقتنعين بما يفعلون بل وعلى استعداد أن يقسموا لك بأغلظ الأيمان أن ما فعلوه هو الصواب .. وما علموا أن الجد والاخلاص فى العمل ليس كافيا لبلوغ المراد إن لم يكن عملهم وفق إعداد مسبق وخطة مدروسه محكمة .
كثير من الناس يمضى فى الحياه ويبدأ أعماله دون أن يضع لها خطة تبين له كيف يبدأ وكيف ينتهى وما هى الوسائل التى تحقق له مراده ومطلبه .
ألم تسمع يوما عن ذلك الشاب المتحمس أو رجل الأعمال المتحمس الذى أعجبته فكرة لمشروع فأحب أن يبدأ فى تنفيذه فيبدأ فى استئجار المكان واستخراج الرخص ويبذل فى هذا ماله كله ثم يبدأ فى فتح مشروعه وفى الوقت الذى يستعد فيه لقطف الثمار تبدأ طاحونه الخسارة تلاحقة فلا يمضى وقت طويل حتى يغلق وقد خلف ألما فى النفس وضيقا فى ذات اليد .
وعندما تبدأ فى فهم أسباب ما حدث تكتشف أن نوع النشاط الذى بدأ به هذا الرجل المتحمس نشاطه مليء بالمنافسين وأن المنطقة المحيطة به لا تقبل مزيدا من هذا النوع من النشاط .
وكان يكفى هذا الرجل أن ينظر حوله ويرى حجم المنافسه ونوع المنافسين وما يميزه عن غيره فى دراسة للجدوى تبين له نجاح مشروعه من كساده بدل ان يخوض التجربة وفى النهاية يتبدد الأمل ويصبح أسير الديون ويبدأ فى نشر الوعى السلبى لدى المحيطين به فيسب الواقع ويلعن العمل ويبدأ فى توجيه أصابع الاتهام لكل شىء ما عدا نفسه ولو نظر بعقلانيه لوجد أن المشكلة فى عدم وضع خطة تبصره بما يتوقع له إن بدأ فى مشروعه .
يقول الدكتور عبد الكريم بكار فى مقال له بعنوان أزمة وسائل أم أزمة أهداف ” وهناك من يغلب عليه الحسّ العملي، وينظر إلى التخطيط وبناء الاستراتيجيات وبلورة الأهداف على أنه مضيعة للوقت، وليس هناك ما يدعو إليه، وهو في نظره قد يكون مظهراً من مظاهر الفرار من العمل وتحمل المسؤوليات الكبيرة، وهذه الشريحة واسعة جداً وإلى حد لا يُصدَّق !
ومن المؤسف أن في من يشنَّع على التخطيط من لا يخطط وينظر، كما أنه في الوقت نفسه لا يعمل ولا ينتج، فهو في الحقيقة يعاني من عطالة شاملة، ولو سئل عما قدّمه خلال أسبوع أو شهر مضى لم يجد شيئاً يتحدث عنه ! وهناك من يعمل من غير رؤية راشدة ولا أهداف واضحة ولا فقه للأولويات، وهؤلاء أسوأ حالاً من أولئك ؛ لأن حركتهم قد تفضي إلى حدوث كوارث !
الهدف الجيّد يحتاج إلى أن نرسم خطة لتنفيذه، وتلك الخطة يجب أن تشتمل على الإمكانات والأوقات المطلوبة، بالإضافة إلى العقبات المتوقعة، وبذلك وحده نجد أنفسنا مضطرين إلى البحث عن الوسيلة الفعالة والملائمة.”
ومثل من لا يخطط ومن لا يبلور أهدافه هناك نوع آخر يخطط لأعماله لكنه يغرق نفسه فى التخطيط والتنظير فإذا جاء للتنفيذ لم يجد متسعا من الوقت ليحقق ما فكر فيه فلا ينفعه تخطيطه مهما بلغت دقته هؤلاء مثلهم كمثل رجل أراد ان يهاجم عدوا فظل يرسم الخطط ويضع الاحتمالات وكلما وضع خطة وجد بها احتمالا ربما لا يحقق به النصر فترك الخطة وبدأ فى أخرى .. لكن المفجع فى الأمر أن عدوّه كان يقترب منه وهو لايدرى وبينما هو على هذه الحال جاءه العدو فقضى على جنوده ووقع هو فى الأسر .
نعم التخطيط مطلوب بل هو ضرورى لكن الاغراق فيه أمر مضر ولا يقدم نفعا فإن الوصول إلى نسبة 100% بالتخطيط وحده أمر مستحيل بل هو ضرب من الخيال .
وفى هذا يقول الدكتور عبد الكريم بكار قائلا ” لست ممن تتملكه الرغبة بإغراء الآخرين بالبحث عن المستحيل وسلوك الطرق الوعرة لبلوغ الرغائب؛ لأن مشكلتنا الأساسية ليست مع المستحيل الذي نتمناه، ولكن مع الممكن الذي ضيعناه ! “
إن نجاحنا فى أعمالنا وفى حياتنا هو نتاج موازنة بين التخطيط والتنفيذ ،فلا وصول لتخطيط دقيق
إلا بالتنفيذ … فبالتنفيذ يتضح الخلل فى الخطة مما يساعد على المعالجة والمراجعة فيزداد الاتقان وتسد الثغرات.
وكذلك لا وصول لتنفيذ دقيق إلا بخطة مدروسة مصاغة بصورة جيدة فما أكثر ما ضاع من الأوقات والأموال نتيجة تنفيذ بدون خطة مسبقة فنكتشف عند منتصف الطريق أو فى نهايته أننا نحرث فى بحر ونزرع فى أرض لا تصلح للزراعة.
وصدق القائل ”من فشل فى التخطيط فقد خطط للفشل ،ومن خطط ولم ينفذ كمن نفذ ولم يخطط